العمل في «عام الإنجازات»
كيف تجد صناعة الماس العالمية نفسها مرة أخرى عند نقطة تحول حاسمة، والدور المستمر لعملية كيمبرلي كمحرك غير سياسي للسيادة الوطنية، ووكالة للصناعة ونموذج عملي للقطاعات الأخرى.
من المتوقع أن يكون عام 2024 عاماً حافلاً ومهماً لصناعة الماس في دبي - ليس فقط فيما يخص التجارة، ولكن أيضاً كنقطة ربط لقادة الصناعة للمشاركة في الحوار واتخاذ الإجراءات الحاسمة. بدءاً من اجتماع ما بين دورتي عملية كيمبرلي، والذي سيعقد في برج أبتاون بدبي في الأسبوع المقبل، تستضيف دبي أيضاً «أسبوع الماس» في الفترة من 11 إلى 15 نوفمبر، والذي سيتزامن أيضاً مع الجلسة العامة لعملية كيمبرلي، ومعرض دبي للمجوهرات والأحجار الكريمة والتكنولوجيا في مدينة إكسبو دبي ومؤتمر دبي للماس، وهو حدث ريادي ينظمه لمركز دبي للسلع المتعددة.
باعتبارها أكبر مركز لتجارة الماس الخام في العالم منذ عام 2021، أظهرت أرقام التجارة في دبي لعام 2023 نمواً بنسبة 2 في المائة على أساس سنوي في قيمة تجارة الماس الخام والمصقول، حيث وصلت إلى 38.3 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل نمواً سنوياً مركباً على مدى خمس سنوات بمعدل 11 في المائة. ونتيجة لذلك، يمثل سوق المجوهرات المصقولة في دولة الإمارات العربية المتحدة حالياً 44% من إجمالي قيمة التجارة، وهي إحصائية تعززت بشكل أكبر بعد قيام المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة بافتتاح مختبر متطور يتكون من طابقين في برج أبتاون في وقت سابق من هذا العام.
وكونها تمثل نقطة التقاء خلقتها السوق الحرة، فلا يمكنني أن أفكر في وقت أكثر ملاءمة لقادة الصناعة للتجمع وتعزيز التقدم، بينما يحددون ويقررون مسار العمل في المستقبل. وتقود دولة الإمارات العربية، بصفتها رئيساً لعملية كيمبرلي لعام 2024، الجهود الرامية إلى تحديث وإصلاح وتعزيز عملية كيمبرلي في إطار برنامج «عام الإنجازات»، حيث يمثل اجتماع ما بين الدورتين علامة فارقة حاسمة لكل من المراجعة والعمل. ولكن هذا العام سيكون مختلفاً، حيث ستضيف عملية كيمبرلي لأول مرة جلسة عامة خاصة في نهاية فترة ما بين الدورتين من أجل تسريع تبني إجراءات قابلة للتنفيذ لعملية اتخاذ القرار.
خلال اجتماع ما بين الدورتين هذا العام، ستلقي منظمة الجمارك العالمية خطاباً رئيسياً حول فوائد مكافحة التهريب، مع التركيز على تمكين الدول الأفريقية من الاحتفاظ بقيمة مواردها الطبيعية. وباعتباري أول رئيس لعملية كيمبرلي يزور كلاً من سيراليون وغانا أثناء تولي هذا المنصب، أستطيع أن أشهد على الإجراءات المثالية التي تم تنفيذها، وكيف تمكن البلدان من الاستفادة من عملية كيمبرلي للحد من عمليات التهريب، من خلال الضوابط والآليات الداخلية القوية التي تحدد المعايير. في بلد مزقته حرب أهلية دامت 11 عاما، وكان الماس الممول للصراع يغذيها بشكل جزئي، فإنني فخور بشكل خاص بالتقدم الذي أحرزته سيراليون، التي لم تنجح في تثبيط عمليات التهريب فحسب، بل إنها تستخدم عائداتها من الماس لإعادة الاستثمار في التنمية الوطنية. ولا يمكن الاستهانة بهذا التقدم، ويظل مثالاً قوياً على دور عملية كيمبرلي كمحفز لتمكين الدول الأفريقية من استغلال عائداتها من المواد الخام.
إن القرارات الإدارية والمبادئ التوجيهية لعملية كيمبرلي، باعتبارها منظمة تسعى إلى عدم التسييس، تعتمد على الإجماع. ولكن في ظل الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا، أصبح الإجماع أمراً يصعب فهمه. وكتحدٍ إضافي، لم تؤثر سياسات مثل القيود التي فرضتها مجموعة السبع على الواردات الروسية وإعادة توجيه جميع الماس الخام والمصقول السائب ليمر عبر أنتويرب سلباً على صناعة الماس في بلجيكا فحسب، كما يتضح من خلال تقديم 146 شركة بلجيكية شكوى إلى مركز أنتويرب العالمي للماس، ولكنها أدت علاوة على ذلك إلى انتقادات واسعة النطاق من الصناعة العالمية. وتجدر الإشارة أيضاً على خلفية ذلك إلى أن عدم رغبة مجموعة السبع في وضع الثقة في الشهادات الصادرة عن الحكومات ذات السيادة من شأنه أن يصبح قضية دبلوماسية مشحونة للغاية.
يشكّل اجتماع ما بين دورتي عملية كيمبرلي هذا العام فرصة للبناء على إيجاد الحلول، حيث أنه يتزامن مع عقد منتدى خاص لمركز دبي للسلع المتعددة، يركز على العناية وإمكانية التتبع والتكنولوجيا. وسيتم تنظيم هذا الحدث بالشراكة مع شركة أوريجينال لاكجري ومقرها سويسرا، وسيضم الحدث بعضاً من مقدمي التكنولوجيا والمتخصصين الرائدين في الصناعة في العالم، بما في ذلك Sarine Technologies والمعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة (GIA) وiTraceiT وTracr (DeBeers) وOpsydia وDiaTech وغيرها. وفي إطار الحدث المفتوح، دعا مركز دبي للسلع المتعددة سفراء مجموعة السبع لدولة الإمارات العربية المتحدة من أجل عرض الحلول الشاملة المتاحة التي من شأنها تحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية المعلنة دون تعطيل الصناعة الأوسع. ونظراً لذهاب 80 دولة إلى صناديق الاقتراع في عام 2024، فإن البقاء بعيداً عن التسييس سوف يصبح موقفاً ذا أهمية متزايدة، وخاصة في ضمان النتائج التي تعود بالنفع على جميع الأطراف ذات العلاقة وليس فئة قليلة منهم.
أود أن أثير مسألة لم أتناولها بعد، ألا وهي الاتجار بالأسلحة وعلاقتها بأسواق الأحجار الثمينة والمعادن النادرة. في حين أن عملية كيمبرلي أمضت أكثر من عقدين من الزمن في تحقيق خطوات كبيرة نحو تعزيز التنظيم والشفافية والتعاون الدولي، وكل ذلك تحت رقابة مكثفة من الحكومات والمنظمات غير الحكومية وصناعة الماس الأوسع، يبدو أنه لم يتم فعل أي شيء يذكر لوقف تدفق أو تدمير المخابئ الكبيرة للأسلحة الخفيفة التي تجد طريقها إلى أيدي الميليشيات حول العالم. وعلى الرغم من أن عملية كيمبرلي لا تخلو من العيوب، إلا أن من العدل أن نقول إنه لا توجد جهة أخرى تقدم نصف الخدمات تجاه سوق لسلعة معينة مثلما تفعل عملية كيمبرلي بالنسبة للماس. خارج أفلام هوليوود مثل فيلم «سيد الحرب» (Lord of War) وفيلم «كلاب الحرب» (War Dogs)، لم يتم فعل الكثير لكشف التأثير الكارثي للأسلحة التي تدخل الدول الغنية بالمعادن، وسهولة الوصول إليها. لقد حظيت صناعة الأسلحة وجهاتها التنظيمية بحرية المرور لفترة طويلة للغاية، وأعتقد أن الوقت قد حان الآن لاقتراح وإنشاء هيئة مماثلة من أجل معالجة حجم المشكلة بشفافية، وإمكانية تتبع الأسلحة، وكيف تعتزم قيام كل دولة أو منطقة نزع سلاحها وتفكيك تجارة الأسلحة غير المشروعة فيها مرة واحدة وإلى الأبد.
بالعودة إلى «عام الإنجازات»، وبينما لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، فمن المهم أيضاً الإقرار بالنجاحات والإنجازات الهامة التي حققتها عملية كيمبرلي حتى الآن، بدءاً بتعيين بويون تانغ كأول أمين تنفيذي لها على الإطلاق. السيد تانغ، الذي انتقل إلى المقر الجديد للأمانة العامة الدائمة لعملية كيمبرلي في غابورون، يشرف بالفعل على عملية نقل البيانات من مكاتب مركز أنتويرب العالمي للماس، بالإضافة إلى إنشاء مكتب يعمل بكامل طاقته. وباعتباره خطوة مؤسسية، لا يمكن الاستهانة بالوجود الرسمي لأمانة دائمة. ولن يكون تأسيسها عامل قوة لتحقيق المزيد من الاستمرارية فحسب، بل سيضمن بقاء يد ثابتة على الدفة في جميع الأوقات.
أما المعلم البارز الثاني، فهو التطوير المستمر لبرنامج المراجعة والإصلاح الخاص بعملية كيمبرلي. وفي هذا الوقت الحرج، من المهم أن نفكر في التقدم الذي تم إحرازه، لا سيما في تحقيق المهمة الأساسية لعملية كيمبرلي المتمثلة في الحد من الماس الممول للصراعات. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أيضاً التفكير في الإنجازات المتمثلة في المراقبة المعززة وزيادة شفافية السوق ومشاركة المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الأقرب جغرافياً إلى الدول المنتجة.
ثالثاً، ويرتبط بشكل عرضي بالمعلم البارز الثاني، التزام عملية كيمبرلي بالإشراف على التحول الرقمي الكامل، بدءاً بإصدار شهادات الماس الخام. بالإضافة إلى رقمنة المكتب الخلفي الإداري لعملية كيمبرلي، لم يكن الاستبدال الناجح للشهادات الورقية بالشهادات الرقمية خطوة مهمة نحو تعزيز كفاءة التداول فحسب، بل أسهم في الحد من الاحتيال. ونتيجة لذلك، فإن دمج تقنية البلوك تشين في عملية كيمبرلي سيوفر قدراً أكبر من الثقة وراحة البال للمستهلكين، الذين سيكونون قادرين على التحقق من المصدر الأخلاقي لمشترياتهم من خلال سجل يخلو من التلاعب يتضمن أصل الماس. وسيلعب هذا أيضاً دوراً في تبسيط نظام إصدار الشهادات الخاص بعملية كيمبرلي، مما يساعد على زيادة السرعة، مع تقليل التكلفة لمنتجي وتجار الماس الشرعيين.
وفي هذا العام، يكون قد مضى على تفعيل نظام عملية كيمبرلي لإصدار الشهادات واحد وعشرين عاماً، وقد نجح خلال هذه الفترة في وقف 99.8 في المائة من الإنتاج العالمي للماس الممول للصراعات، في حين حصل على دعم 85 دولة. ومن خلال جهودها المتواصلة للتحول الرقمي والتعاون وتعزيز إمكانية التتبع، تظل عملية كيمبرلي أفضل فرصة في العالم للقضاء على الماس الممول للصراعات وضمان حصول الدول المنتجة على الإيرادات الكاملة لمواردها الطبيعية.