الماس.. نموذج يحتذى لتبنّي التكنولوجيا
نظم مركز دبي للسلع المتعددة على هامش اجتماع ما بين دورتي عملية «كيمبرلي» الذي عقد الشهر الماضي، ندوة خاصة تحت عنوان «المصدر والتتبع والتكنولوجيا في صناعة الماس». وقد تم تنظيم هذا الحدث من أجل التوسع في مناقشة ومعالجة التطورات والتحديات الرئيسية في مشهد تجارة الماس العالمية، وكانت الأهداف الرئيسية لهذا الحدث هي توضيح التقدم الكبير المحرز في التطوير الفني لهذه الصناعة، وقيمة ودور التكنولوجيا في رفع معايير الصناعة، وتحقيق فهم أفضل للدور الحاسم الذي يلعبه الموردون في دفع الاعتماد التكنولوجي التحويلي.
وكما أوضحت مارجوت ستيوارت، إحدى مؤسسي شركة «Originalluxury»، فإن صناعة الماس تقف عند مفترق طرق محوري في تطورها. وفي مواجهة العديد من التحديات الرئيسية التي تتراوح بين التغيرات في سلوك المستهلك، والشعبية المتزايدة للماس الصناعي، والقيود على الاستيراد التي فرضتها مجموعة السبع مؤخراً، فمن المؤكد أن الضغط على الأطراف المعنية في الصناعة قد تصاعد. ومع ذلك، فقد أوضحت نتائج الندوة الخاصة حول «المصدر والتتبع والتكنولوجيا في صناعة الماس» أيضاً، أنه لا يمكن التغلب على هذه التحديات فحسب، بل من المحتمل أيضاً إعادة توجيه عقارب الساعة نحو مناخ أكثر إيجابية.
وأشار البروفيسور فيليسيتاس مورهارت إلى نظرية التأثير الاجتماعي لكيلمان، مؤكداً أنه إذا تم منح الصناعة خيارين من حيث كيفية حكمها أو تنظيمها، أحدهما الامتثال الأعمى والآخر من خلال تحديد الهوية، أي الظروف التي تتفاعل فيها الصناعة مع متطلباتها الخاصة للحصول على أفضل النتائج الممكنة، فإن من الواضح أن تحديد الهوية هو الخيار الأفضل.
كما ذكرت (رويترز) في شهر مايو/ أيار 2024، «قالت سبعة مصادر: إن الولايات المتحدة تعيد تقييم العناصر الأكثر صرامة للحظر المفروض على الماس الروسي من مجموعة الديمقراطيات السبع الكبرى، بعد معارضة الدول الإفريقية وشركات صقل الأحجار الكريمة الهندية، وتجار المجوهرات في نيويورك»، حيث وصف مصدران الحضور الأمريكي بأنه «موجود ولكن من دون انخراط مباشر». وبحسب المقال نفسه، قال مسؤول أمريكي: «نحن بحاجة إلى القيام بذلك بطريقة تأخذ في الاعتبار مخاوف الشركاء والمنتجين الأفارقة، وتأخذ في الحسبان الشركاء الهنود والإماراتيين... والتأكد من أننا نستطيع أيضاً جعل الأمر قابلاً للتطبيق بالنسبة للصناعة الأمريكية. فهل هناك آلية تتبع تلبي كل ذلك؟ ما زلنا منخرطين، ولم نبتعد عن الفكرة». أنا لا أتفق مع آراء المصدر بشأن معالجة مخاوف الأطراف المعنية العالمية فحسب، ولا أزال حتى مقتنعاً بأن آليات التتبع المناسبة ليست ممكنة فحسب، بل إنها ضرورية لأمن صناعة الماس ومصداقيتها في المستقبل.
تاريخياً، كانت أفكار التصنيف والتتبع موجودة منذ بعض الوقت، فمع إنشاء المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة في عام 1931، وإدخالها للنقش بالليزر في عام 1983، كانت شركات التتبع الأخرى مثل «Sarine» موجودة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ومع ذلك، بالنسبة للصناعة، أصبحت إمكانية التتبع في المقدمة لثلاثة أسباب رئيسية. أولاً، من أجل وقف تدفق الماس الممول للصراعات، وثانياً لدعم التعرف إلى المنتجات المقلدة، وثالثاً لأغراض سياسية تتمثل في دعم العقوبات المرتبطة بالحكومات.
في ما يتعلق بالماس الممول للصراعات والماس المقلد، فإن إنشاء عملية «كيمبرلي» في عام 2003 والإجراءات التي اتخذتها الشركات ذات المنتجات الفاخرة والراقية كان لهما زمام المبادرة في كل قضية، وعلى الأخص من خلال بعض آليات التتبع التي سأتناولها لاحقاً في هذا المقال. وعندما يتعلق الأمر بدعم العقوبات من دون التسبب بأضرار لسلاسل التوريد الأولية، فإن ذلك يظل موضوعاً خاضعاً للحوار، ومع ذلك، نجحت ندوة «المصدر والتتبع والتكنولوجيا في صناعة الماس» في طرح العديد من الحلول البناءة.
وفي هذا السياق، أوضح ديفيد بلوك، الرئيس التنفيذي لمجموعة «Sarine Technology Group» قائلاً: «أعتقد أنه من المهم أن نفهم أن إمكانية التتبع ومعرفة مصدر البضائع، والرحلة على طول خط الأنابيب لم تبدأ لدى مجموعة السبع، بل بدأت منذ سنوات عدة».
وفي حين أن الحكومات لديها أسبابها السياسية للمشاركة في العقوبات، فإن المشهد العام أثبت أن من الأفضل لصانعي السياسات إقامة علاقات أوثق مع الصناعة ككل من أجل فهم كيفية تحقيق أهدافهم، من دون التأثير سلباً في الفئات الأكثر عرضة للمخاطر. كما لخّص روني فان دير ليندن، نائب رئيس المجلس العالمي للماس، ورئيس الرابطة الدولية لمصنعي الماس «نحن ندرك إلى أين تريد مجموعة السبع أن تذهب - سنعمل معهم، ولكننا سنعمل معهم كصناعة عالمية وليس كأفراد».
وفي تكرار لموقف زميلها، لا سيما في ما يتعلق بالأهداف طويلة المدى لمجموعة السبع واقتراحها الأولي بشأن إدارة العقوبات، ذكّرت رئيسة المجلس العالمي للماس، فريال زروقي، الحضور بأن «الهدف هنا هو تسهيل وصول المنتجات الإفريقية أو منتجات أمريكا الشمالية إلى دول مجموعة السبع، لا عرقلته. نحن هنا لمساعدة مجموعة السبع على تحقيق أهدافها، ونحن نعرف كخبراء في صناعة الماس وخبراء في سلسلة التوريد ما الذي ينجح، وما الذي لا ينجح».
كمثال على الكيفية التي يمكن بها لهذا النوع من التعاون أن يفضي إلى نتائج إيجابية، وقّعت شركة «Authentia»، وهي شركة تقدم حلول التتبع المدعومة ببراءات الاختراع، أخيراً، مذكرة تفاهم مع الجمعية الإفريقية لمصنعي الماس بهدف تعزيز جهود التتبع. وكما أكد أنطونيو أوليفيرا، رئيس شركة ADMA، فإن «النهج المنفتح الذي يتبعه الفريق الفني لشركة Authentia في ما يتعلق بما تحتاجه صناعة الماس الإفريقية بالفعل، هو ما يوفر لهذه المنصة الواعدة للماس الطبيعي والأحجار الكريمة فرصة حقيقية للازدهار والاستمرارية وإعطاء الأولوية للمصدر».
لم يكن الشركاء في عملية التتبع والتكنولوجيا الذين شاركوا في ندوة مركز دبي للسلع المتعددة منفردين في طرح نهج لهذه العملية، فقد قدموا حلاً شاملاً لتتبع الماس و/أو الأحجار الكريمة بدءاً من المناجم، وعلى طول رحلة وصولها إلى العميل وما بعدها. وسواء من خلال رموز الاستجابة السريعة أو أدوات التتبع الفعلية، أو الحمض النووي الاصطناعي، أو نفاثات الليزر الدقيقة، أو معرفات النانو، انضم ممثلون من Provenance Proof وSarine Technology Group وiTraceiT وOpsydia وTracr وLemon-DiaTech Group وSynova S.A إلى شركة Authentia في تقديم خدمة شاملة، ومتكاملة، توفر الشفافية الكاملة والمساءلة عن رحلة الماس، مع ضمان المخرجات الأمثل بفضل العديد من التطورات التكنولوجية.
أوضح توماس موزس، نائب الرئيس التنفيذي وكبير مسؤولي المختبرات والأبحاث في المعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة (GIA)، أنه في حين أن صناعة الماس اشتهرت بعناصرها الأربعة، فإن المستهلكين لا يزالون يعطون قيمة أكبر للعناصر الثلاثة المتمثلة في العدالة، والأخلاق، والبيئة. ومع دعم الأبحاث حول المستهلكين لهذا الاستنتاج، حيث تشير إلى أن ما بين 40 إلى 45 في المئة من المستهلكين يولون الأهمية لإمكانية التتبع والاستدامة في قراراتهم المتعلقة بالشراء، يبدو أن توفير البيانات الشاملة يمثل فرصة لكلا طرفي سلسلة التوريد.
ويتقاطع مع هذه الحقيقة ارتفاع نسبة الماس الصناعي في مشتريات المستهلكين، حيث تشير البيانات، إلى أن 43.8% من خواتم الخطوبة في الولايات المتحدة في السنة المالية الماضية كانت من الماس الصناعي، ولكن من حيث المنشأ وإمكانية التتبع، هناك الآن فرصة للماس الطبيعي لاستعادة السوق الملتزمة بمعايير البيئة، والمجتمع، والحوكمة.
وفي هذا الصدد، يقول فينيت جوغاني، مدير مجموعة Lemon-Diatech: «للأسف، نحن نعيش في وقت تتعرض فيه العلامة التجارية للماس الطبيعي للنيران. إذا نظرت إلى الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في وسائل الإعلام التقليدية، فستجد أن الماس الطبيعي يرتبط باستمرار بعمالة الأطفال، والعبودية، والتدهور البيئي، والصراعات، وأعتقد أن إمكانية التتبع تعني في الواقع استعادة السيطرة على هذه السردية، وتصحيحها، وإظهار الخير الذي يمكن أن يجلبه الماس. إنهم يوظفون ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر، وأكثر بكثير بشكل غير مباشر، وهنا بالضبط يمكنك التمييز بين الاثنين. هل يوفر الماس الصناعي التعليم والمستشفيات؟ اليوم، يمكننا أن نثبت أنه يمكنك شراء الماسة، ونقول إنك من خلال شرائك لهذه الماسة وفرت التعليم لمدة عام كامل لمئة طالب في دولة منتجة. هذه هي قوة التتبع، وهذا ما يمكننا تقديمه للعملاء».
وإلى جانب النطاق الهائل لتقديم فوائد بيئية، واجتماعية، ومؤسسية، يمكن التحقق منها، فإن إمكانية التتبع قد تعالج أيضاً إحدى نقاط الألم الأخرى سيّئة السمعة بالنسبة إلى العملاء، ألا وهي سوق السلع المستعملة. وبالنسبة إلى أولئك الذين يضطرون، أو يرغبون في بيع الماس، فإن العثور على مشترٍ، أو الحصول حتى على عائد معقول هو أمر شبه مستحيل. ومع ذلك، مع إمكانية التتبع، لم تعد تبيع ألماسة عشوائية، بل إنك تبيع القصة المصاحبة لها. وفي هذا الصدد، يعتقد الكثير أن إمكانية التتبع يمكن أن تدعم توفير سوق أكثر مرونة للسلع المستعملة، خاصة بالنسبة إلى الماس ذي الماضي الأكثر إشراقاً.
أثناء حديثي مع إحدى جهات الاتصال الوثيقة في صناعة الماس، تم تذكيري بأن الرغبة في الماس، وأي منتج آخر عالي القيمة تبدأ بقصة. إن فكرة أن الحجر يستغرق تكوّنه ما بين مليار إلى أكثر من ثلاثة مليارات سنة، قبل استخراجه وتحويله إلى عمل فني، ليست فكرة رومانسية فحسب، بل إنها رحلة فريدة لا بديل لها. وكما قال شخص آخر بسخرية: «نحن لسنا في مجال الأعمال «من الشركات للعملاء»، بل في مجال الأعمال «من المنجم للسيدات». وهو ما يتم تقديمه إلى الخطيبة، أو الزوجة، أو الحبيبة. إنها قصة الرحلة، وكيف أصبحت ملكاً لهن. وهذا شيء لا يمكن للماس الصناعي منافسته».
وكما أكد فينيت جوغاني «إذا نظرت اليوم إلى الماس في زمن الحرب، الماس الذي شهد شيئاً ما، فإن هناك قصة. ربما مرت عبر خمسة أجيال. تخيّل مستقبلاً حيث تخرج ماستان من الخام نفسه، حيث يمكنك العثور على توأمك الماسي على مستوى العالم. أعتقد أن هناك قصة لذلك. أعتقد أن هناك سحراً لذلك. بالنسبة إلى المستهلكين، فإنهم لا يريدون أن تنخفض قيمة الماس، وهذا أحد الحلول التي يمكنها معالجة هذا الأمر».
من وجهة نظر تكنولوجية، هناك نتيجتان حاسمتان تشكلان شرطاً للتنفيذ في مرحلة مبكرة، بدءاً من المصدر. وكما أوضح كليمنس لينك، مدير Provenance Proof «إن وضع علامات النانو، والدمغ بالنانو، والتشفير بالليزر، والمسح النانوي، أياً كان، يعد أمراً بالغ الأهمية لضمان الشفافية لأنه بمثابة المرساة الحقيقية بين أي شهادة رقمية، أو ورقية، والأصول المادية. هذا هو الجزء الحاسم الذي يتعين علينا تحسينه في رأيي. وفي حين أن طرح هذا المستوى من التكنولوجيا قد يبدو تحدياً هائلاً، ذكّر العديد من المشاركين بأن هناك عشرة مناجم رئيسية فقط تنتج 85% من الماس على مستوى العالم، ما يعني أنه يمكن تحقيق بداية رائعة بشرط أن تكون المناجم مستعدة وقادرة على التعاون».
وتتمثل النقطة الثانية في أن التقدم التكنولوجي قادر أيضاً على المساعدة بشأن الهوامش الدقيقة بين الماس الخام والمصقول، مع تزويد العملاء بخيارات أكبر في ما يتعلق بالشكل، حسبما أوضح برنولد ريشرزهاجن، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Synova S.A «إن آلة دافنشي الخاصة يمكنها معالجة الحجر في يوم واحد، مقارنة بأسابيع يستغرقها الصقل اليدوي. وهذا يعني دورة تمويل أقصر ومخزوناً أقل. وعندما نحسب الكلفة الإجمالية للملكية، فهي أقل كلفة من الصقل اليدوي التقليدي. الجودة والدقة متسقة واستخدام الآلة غاية في السهولة. ويستغرق تعلم صقل الحجر يدوياً عدة سنوات، أما باستخدام الآلة، فيمكن التعلم في أسبوع واحد، ويمكن لمشغّل واحد إدارة ما يصل إلى خمس آلات. وهذا يتيح إمكانية التتبع الكامل، لأن كل شيء أصبح الآن مركّزاً في مكان واحد، في خطوة واحدة مع الكثير من المرونة، ما يعني إمكانية إنتاج أشكال نموذجية فاخرة، إضافة إلى أشكال مخصصة».
وبصفتي رئيساً لعملية «كيمبرلي» في عام الإنجازات، سأكون أول من يقر بوجود عمل يتعين القيام به، ومع ذلك، أود أيضاً أن أشير إلى أنه تم تحقيق إنجازات أكثر بكثير مما يُنسب إلى صناعة الماس. في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تجدر الإشارة إلى أن مكتب عملية كيمبرلي في الدولة هو الوحيد في الدول المشاركة في عملية كيمبرلي الذي حصل على اعتماد الأيزو، وقد قام أخيراً، بتجديد شهادة الآيزو 2015-9001 في عام 2024 للمرة الثانية. وكما أوضحت نازيا حقي، مدير أول مكتب عملية كيمبرلي في الإمارات تم إنشاء مكتب عملية كيمبرلي في الإمارات بموجب القانون الاتحادي رقم (13) لسنة 2004 في شأن الرقابة على استيراد وتصدير وعبور الماس، ما جعل دولة الإمارات أول دولة عربية تنضم إلى نظام شهادات عملية كيمبرلي. وفي الوقت الحاضر، تعد الدولة أحد أكبر تجار الماس الخام في العالم، ومن المؤكد أن حصولها على شهادة الآيزو ساعد على تحسين كفاءة الأعمال والاستدامة وتميز العملاء وإشراك الموظفين.
وفي ما يتعلق بالصناعة العالمية، فإنني أردد آراء هانز شواب، المؤسس المشارك لشركة OriginAII، الذي قال: «لقد تحدثت قليلاً عن فخري بالمكانة التي وصلنا إليها، وسأعود إلى عملية كيمبرلي. لا أستطيع أن أفكر في أي صناعة لديها شيء بقوة عملية كيمبرلي، حيث تتحد الأطراف المعنية بالصناعة؛ البلدان والمنظمات - جلست لحل المشكلة الأساسية المتمثلة في تحديد مصدر الماس. وكجزء من هذه الرحلة، شهدنا قدراً كبيراً من التعاون الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن. نحن بحاجة إلى استخدام ذلك كأساس، الركيزة التي نبني عليها كل هذه التقنيات. أعتقد أننا يمكن أن نستمد الشجاعة والثقة والتصميم من ذلك».
وبفضل الدعم المتزايد الذي تقدمه تكنولوجيا الصناعة، وعلى الأخص من خلال الشركات التي انضمت إلينا الشهر الماضي، فإن قدرة صناعة الماس الواضحة على التعاون والتنسيق ستظل أعظم أصولها. وعلى هذا النحو، أعتقد أن الماس الطبيعي لن يحتفظ بمكانته الفريدة كسلعة مطلوبة فحسب، بل سيصبح نموذجاً يحتذى في الصناعة بالنسبة لحقوق الأطراف المعنية والمستهلكين.