التنافسية وترسيخ القوة الاقتصادية الناعمة
عبر دعم غير تقليدي للأعمال الاقتصادية، وبعد إجراء شركة دبي لمقاصة السلع مقاصات بقيمة إجمالية تزيد عن 115 مليار دولار أمريكي في عام 2023، يبرز دور شركة دبي لمقاصة السلع، وإمارة دبي ودولة الإمارات.
منذ تأسيسها في عام 2005، كانت شركة دبي لمقاصة السلع (DCCC) هي الطرف المقابل المركزي لخدمات المقاصة والتسوية في بورصة دبي للذهب والسلع (DGCX)، وإحدى أدوات مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC) لدعم الاستثمار. وقد رسخت شركة دبي لمقاصة السلع مكانتها كأكبر غرفة مقاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث الحجم، وتطورت استراتيجيتها للنمو المستدام لتشمل دوراً رئيسياً متعدد الجنسيات بما يتماشى مع توجه بوصلة الاقتصاد من الغرب إلى الشرق، معزّزة فرص النمو بباقات ومجموعة واسعة من المنتجات والخدمات.
لماذا شركة دبي لمقاصة السلع؟
باعتبارها شركة تابعة مملوكة بالكامل لبورصة دبي للذهب والسلع، التابعة والمملوكة بالكامل لمركز دبي للسلع المتعددة، ربما تكون قصة نجاح شركة دبي لمقاصة السلع قد بدأت من أداء دور وظيفي ملا تحدياً كان قائماً تطوّر بطموح من توفير آلية مبسطة لأعضائها تتضمن العديد من المزايا التنافسية، كتوفير تسوية مضمونة وتقليل مخاطر الطرف المقابل، بالإضافة إلى توفير مزايا إجراء المعاملات وتخليص الأعمال داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي الاستفادة من بيئة أعمال وإجراءات تنظيمية قوية وآمنة. ولتحقيق مزيد من الشفافية والقدرة على التنبؤ، تتبنى شركة دبي لمقاصة السلع أيضاً هيكل رسوم مبسطاً يُطبّق على جميع الأعضاء، بما في ذلك هوامش متطابقة بصرف النظر عن صفتهم التجارية أو غير التجارية. وقد ساهم تداخلها مع ساعات التداول الآسيوية والأوروبية والأمريكية، إلى جانب التنظيم القوي الذي تتمتع به شركة دبي لمقاصة السلع، تحت إشراف هيئة الأوراق المالية والسلع، واعتمادها من قبل كل من سلطة النقد السنغافورية، وبنك إنجلترا، وسوق أبوظبي العالمي في تقليل المخاطر النظامية، وتمتعها بعضوية الاتحاد العالمي للأطراف المقابلة المركزية (CCP Global في تقليل المخاطر النظامية إلى الحد الأدنى مع تعزيز الكفاءة لعملائها. من خلال تقديم خدمات المقاصة والتسوية لعقود المشتقات عبر أربع فئات من الأصول، وهي المعادن الأساسية والثمينة، والمواد الهيدروكربونية، والعملات، والأسهم، أدى استثمار شركة دبي لمقاصة السلع المستمر في أحدث أنظمة إدارة المخاطر، مثل ActiveRisk، إلى تعزيز امتثالها التنظيمي بما يتماشى مع مبادئ البنية التحتية للأسواق المالية (PFMI) والمعايير الفنية بموجب لائحة البنية التحتية للسوق الأوروبية (EMIR). ونتيجة لذلك، حققت شركة دبي لمقاصة السلع العديد من الإنجازات اللافتة منذ إطلاقها، بما في ذلك إجراء المقاصة لـ 175,690,385 عقداً بين عامي 2005 و2023، بينما أصبحت واحدة من أبرز البورصات الخارجية لعقود الروبية الهندية الآجلة وأول بورصة لعقود الذهب الفورية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ومن خلال العمل مع عدد من بنوك المقاصة المعتمدة، تتداول شركة دبي لمقاصة السلع مجموعة واسعة من أزواج العملات التي تتطلب التسليم الفعلي على جميع المراكز المفتوحة، مع تسوية معظم العملات بالدولار الأمريكي. وكإجراء إضافي للشفافية، يتم تسليم عقد الذهب الفوري المتوافق مع الشريعة من خلال منصة ترايدفلو التابعة لمركز دبي للسلع المتعددة، وهي منصة عبر الإنترنت مخصصة لتسجيل ملكية وحيازة السلع وتحويلاتها اللاحقة.
تغير في العرض والطلب الاقتصاديين
باعتبار الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية منذ نحو ثمانين عاماً، فإن النهج التاريخي الذي اتبعته شركة دبي لمقاصة السلع لتسوية العقود بالدولار الأمريكي كان دائماً منطقياً. وباعتباره عملة وظيفية في معظم الاقتصادات، حتى تلك التي تخضع لعقوبات شديدة مثل روسيا، يظل الدولار الأمريكي سنداً قوياً للتجارة والتبادل التجاري، ومع ذلك، تضاءل تأثيره في السنوات الأخيرة كتتويج للتحولات الجيوسياسية والجيوستراتيجية، لا سيما في العملات وأسواق النفط والغاز.
وفقاً لميرا تشاندان، الرئيس المشارك لفريق أبحاث إستراتيجية العملات الأجنبية العالمية في جي بي مورجان، "انخفض الاستخدام الإجمالي للدولار، لكنه لا يزال ضمن النطاقات طويلة المدى وتظل حصته مرتفعة مقارنة بالعملات الأخرى. ولا تزال هيمنة الدولار على المعاملات هي الأعلى على الرغم من الانخفاضات المزمنة في الأسهم التجارية الأمريكية. ومن ناحية أخرى، فإن تراجع الدولار واضح في احتياطيات العملات الأجنبية، حيث انخفضت حصة الدولار إلى مستوى قياسي بلغ 58٪.
أفول نجم البترودولار
وفيما يتعلق بالنفط والغاز، علقت ناتاشا كانيفا، رئيس استراتيجية السلع العالمية لدى جيه بي مورجان، قائلة: "يبدو أن الدولار الأمريكي، أحد المحركات الرئيسية لأسعار النفط العالمية، يفقد تأثيره القوي الذي كان يتمتع به من قبل". وسلطت كانيفا الضوء على كيفية استمرار النفط والغاز في اتباع المسار الأقل مقاومة، وتابعت كانيفا قائلة: "من اللافت أن النفط الروسي يتم بيعه الآن إما بالعملات المحلية للمشترين أو بعملات البلدان التي تعتبرها روسيا صديقة". وبما يتفق مع وجهة نظركانيفا، ذهب تقرير لجيه بي مورجان بشأن وقف الاعتماد على الدولار إلى القول: "بدأ كبار منتجي السلع الروس في إصدار سندات باليوان. وفي سبتمبر 2022، قدمت شركة النفط المملوكة للدولة روسنفت طرحاً عاماً لسندات بقيمة 10 مليارات يوان، وأتبعتها بشريحة ثانية بقيمة 15 مليار يوان في مارس 2023."
كتوجّه لا يقتصر بأي حال من الأحوال على روسيا، يبدو أن دولاً أخرى تحذو حذوها. وكما أوضح التقرير نفسه: "بدأت بعض شركات التكرير الهندية في دفع ثمن النفط الروسي الذي يتم شراؤه عبر تجار في دبي بالدرهم الإماراتي، بينما يفكر البعض الآخر في الدفع باليوان. وتفيد التقارير بأن المملكة العربية السعودية تدرس قبول المدفوعات بعملات أخرى."
في حين أن البعض قد ينظر إلى التخلّص من الدولار كموضوع يتكرر في فترات ما بعد الحروب، إلا أن هناك شعوراً متزايداً بأن الجزرة المتمثلة في تحقيق قدر من السيطرة على التضخم وعصا العقوبات تعنيان تحفيزاً كاملاً للدول لاتباع هذا النهج من أجل إيجاد بديل. لا يقتصر الأمر على وجود مخاوف واسعة النطاق بشأن السياسات المحلية المتهورة التي تنتهجها الولايات المتحدة فيما يتعلق بطباعة النقود، بل أيضاً معاملتها لروسيا باعتبارها قصة تحذيرية من نوع الاضطراب الذي يمكن أن تواجهه الدول ذات الموارد الأقل والتي تعتمد على الدولار. وكما أوضح توماس فازي، فإن تجميد احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي "انتهك مبدأً يكاد يكون مقدساً ألا وهو حيادية الاحتياطيات الدولية". والأمر الأكثر دلالة هو أن العديد من الدول لم تحذُ حذوها في تطبيق العقوبات، بل وبدلاً من ذلك "بدأت بهدوء في تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين في محاولة لتقليل اعتمادها على النظام المرتكز على الدولار". ومن أمثلة ذلك بوليفيا والبرازيل والأرجنتين، التي تقوم منذ يوليو2023 بدفع ثمن الواردات والصادرات باستخدام الرنمينبي الصيني، أو الروبية التي تدفعها شركة النفط الهندية مقابل مليون برميل من شركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك" منذ ذلك الشهر.
عودة التهافت على الذهب
كمؤشر آخر على التوجهات العالمية، فإن الاندفاع الجماعي نحو الذهب من جانب البنوك المركزية في العالم، وخاصة في مواجهة الدولار القوي وانخفاض توقعات التضخم، يبدو بأن العديد من الاقتصادات الكلية تعتقد أن الوقت مناسب للتحوط. بقيادة الصين، التي قامت بتخزين الذهب لمدة 17 شهراً متتالياً، قامت دول أخرى بما في ذلك سنغافورة وبولندا أيضاً بشراء كميات كبيرة منه، مما رفع السعر إلى ما يتجاوز 2,430 دولار أمريكي للأونصة، مع توقع العديد من أنصار الذهب ارتفاعات تتجاوز 3,000 دولار أمريكي قبل حلول دورة الأعمال القادمة. وسط حالة عدم اليقين العالمية، فإن أولئك الذين يشترون الذهب يتوخون الحذر أيضاً بشأن المكان الذي يجب الاحتفاظ به فيه. ومرة أخرى، بسبب العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا، "يقوم عدد متزايد من الدول بإعادة احتياطيات الذهب إلى الوطن كحماية من العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا"، وفقاً لمسح أجرته شركة إنفيسكو للبنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية تم نشره في يوليو من العام الماضي. ونتيجة لذلك، أظهرالمسح أن "نسبة كبيرة" من البنوك المركزية كانت قلقة بشأن السابقة التي تحققت، حيث ذكر 68 في المائة من المشاركين أنهم سيحتفظون باحتياطياتهم في بلدانهم، مقارنة بـ 50 في المائة في عام 2020.
نظام بيئي مركزي وجدير بالثقة
مع مرور الاقتصادات العالمية بحالة انتقالية، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كوجهة محبذة للأفراد والشركات. سواء من خلال قيام الشركات بإنشاء مراكز تجارية، أو قيام أصحاب الثروات الكبيرة بتحويط أصولهم و/أو التزاماتهم في منطقة اختصاص شفافة، فقد حققت دولة الإمارات العربية المتحدة حالة من الحياد العالمي، في حين قدمت مزايا كبيرة للمقيمين والمستثمرين فيها. وكما أوضح معالي عبد الله بن طوق، وزير الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة، "لقد رسخت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانتها كمركز مالي عالمي رائد يوفر كافة عوامل التمكين لقطاع الأعمال والمستثمرين والشركات الناشئة من جميع أنحاء العالم. وقد أصبح ذلك ممكناً بفضل نظام بيئي تشريعي اقتصادي مرن وبيئة أعمال تنافسية وجذابة ومستقرة ومواصلة تطوير البنية التحتية لتكون من بين الأفضل على مستوى العالم". في ظل الإعلان عن وصول التراخيص التجارية الإماراتية المرتبطة بالأنشطة الإبداعية وحدها إلى 932 ألف رخصة بحلول نهاية النصف الأول من عام 2023، ترددت أصداء أرقام مماثلة في جميع أنحاء مجتمعات المناطق الحرة في الإمارات العربية المتحدة. وحقق مركز دبي للسلع المتعددة نمواً قياسياً مع انضمام 2692 شركة جديدة إلى مجتمعه، وهو ما يمثل 11 في المائة من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي في عام 2023، في حين حقق مركز دبي للسلع المتعددة قيمة إجمالية تزيد عن 115 مليار دولار أمريكي.
محفّز للتغيير
نتيجة لذلك، تجد شركة دبي لمقاصة السلع نفسها في وضع فريد كونها المؤسسة الإقليمية الوحيدة التي يمكنها التعامل بشفافية مع خدمات المقاصة والتسوية للسبائك والنفط والغاز وأزواج العملات، مع الاحتفاظ بالقدرة على إطلاق منتجات جديدة تتماشى مع كل من الطلب المحلي والطلب الدولي. ومن الأمثلة الرائعة على ذلك قيام الشركة مؤخراً بإطلاق عقد الفضة الفوري الأول المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي. مع وجود العديد من البنوك العالمية المختلفة وشركات الوساطة المدرجة بالفعل كعملاء، فإن بيئة شركة دبي لمقاصة السلع ذات التنظيم العالي تعني أيضًا مزايا و/أو فرصاً كبيرة لأعضائها، وتحديداً عبر فئات الأصول المذكورة. والأهم من ذلك، أن شركة دبي لمقاصة السلع ليس لديها أي قيود عندما يتعلق الأمر بإطلاق أي عدد أو نوع من المنتجات لأي سوق، بشرط الحصول على التصاريح المحلية اللازمة. ونتيجة لذلك، فهي توفر ميزة كبيرة مقارنة بنظيراتها عندما يتعلق الأمر بإطلاق منتجات متعددة الاستخدامات تقودها السوق والتي قد تحظى بطلب مرتفع على المدى القصير إلى المتوسط.
بالنسبة للذهب، لا تقدّم شركة دبي لمقاصة السلع خدمات المقاصة والتسوية فحسب، بل إنها تشكّل أيضاً وجهة آمنة ويمكن الوصول إليها للاحتفاظ به. يتعاون مركز دبي للسلع المتعددة الذي يضم أكبر غرفة خزينة حصينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعديد من أكبر مصافي التكرير في العالم أيضاً بشكل وثيق مع المشغلين اللوجستيين مثل برينكس وترانس جارد، في حين أن المطارين الدوليين في دبي يوفران إمكانية الوصول السريع والمباشر إما لأغراض الاستيراد أو التصدير. وبدعم من نظام منصة ترايدفلو التبعة للمركز، تصل حصة دبي من تجارة الذهب العالمية إلى 25%، في حين تجاوز حجم عقود الذهب التي تمت مقاصتها من خلال شركة دبي لمقاصة السلع 4.97 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
بالنسبة للعملات، كما ذكرنا سابقاً، ليس لدى شركة دبي لمقاصة السلع أي قيود في إطلاق منتجات عملات جديدة، مما يعني قدرتها على إطلاق أزواج جديدة من العملات، مع الحصول على إذن صريح من كل دولة ذات سيادة والموافقات التنظيمية اللازمة. ويمكن أن يمتد هذا أيضاً إلى توفير فرص استثمارية للعملات المدعومة بالذهب في المستقبل أو حتى لسلة عملات من دول البريكس +، والتي يمكن تسعيرها وفقًا للناتج المحلي الإجمالي.
بالنسبة للنفط والغاز، كما يتضح بالفعل من خلال العلاقة المتسارعة بين الهند والإمارات العربية المتحدة القائمة على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، فإن شركة دبي لمقاصة السلع مستعدة أيضاً لقيام البلدان بشراء المنتجات الهيدروكربونية لتسويتها بعملاتها المحلية، وبالتالي خفض تكاليف المعاملات عن طريق إزالة تحويلات الدولار.
بيئة للأعمال أولاً
في حين أن معظم أنحاء العالم لا يزال يعاني من قدر أكبر من عدم اليقين، فقد عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على خلق قدر أكبر من الأمن حيث برزت الدولة كوجهة منظمة للغاية وآمنة ومأمونة تدعم المتطلبات التقليدية للأعمال الشفافة في ظل سيادة القانون الدولي. ومنذ خروجها من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف) في وقت سابق من هذا العام، شهدت تصاعداً في الأعمال، في حين يستمر التصنيف الدولي للدولة في مجال السلامة والجدارة بالثقة في الارتفاع. وهذا يشمل الاعتراف بها كواحدة من أكثر الدول الموثوقة في العالم وفقاً لتقرير Edelman Trust Barometer العالمي لعام 2023.
مع اعتبار عام 2024 ليس فقط عاماً لإجراء انتخابات، بل "ربما عام الانتخابات" وفقًا لمجلة تايم، فإن حقيقة أن 64 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي جميعها تتوجه إلى صناديق الاقتراع ستؤدي بلا شك إلى المزيد من التقلبات. وقد أدى هذا، إلى جانب الصراعات المستمرة في أوكرانيا وغزة، إلى دفع المزيد من البلدان والمستثمرين المؤسسيين إلى البحث ليس عن مكان للصمود في وجه العاصفة فحسب، بل للاستعداد لما ينتظرنا في المستقبل. وبهذه الصفة، تمثل شركة دبي لمقاصة السلع وشركاتها الأم أحد الوجهات الآمنة القليلة حيث تتمتع بمرونة مؤسسية لاستمرارية الأعمال أياً كانت الظروف.